السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاته

ليلة الجُمُعة، حملت لي خبر وفاة جدتي في مُستشفى الملك فهد بالهفوف، كانَ وقعُهُ غريباً، رُغمَ إستعدادي نفسياً لـ هذا الأمر، لكِنَ الخبرَ كانَ غريباً جِداً علي.
لِماذا الأن؟ لِماذا ليسَ قبلَ خمسِ دقائِق؟، لِماذا اليوم بالذات؟، كُلُ هذهِ الأسئِلة لم تَمُرَ بـ بالي حتى لحظة كِتابة هذهِ الكلِمات وكأنَ عقلي تجمدَ حينها، وكأنَ أولى الساعات هيَ فقط لـ إستيعاب أن هُنالِكَ خللاً في عالمي وفراغاً قد حصلَ في حياتي.
هل مِنَ الغريب على شخصٍ فقدَ حبيباً أن تطراءَ لهُ الكثير مِن الأسئِلة والكثير مِن علامات الإستفهام والتعَجُب، هَل مِن الغريبِ أن تنفَجِرَ نفسُ إنسانٍ فقدَ حبيباً غيضاً مِن أُناسٍ إدعو أنَهُم أحبو مَن فقّدو، بـ اللهِ عليكُم كم مرةً غضِبتُم مِن أبيكُم أو أُمِكُم أو حتى قريبِكُم المُتوفى، وتمنيتُم لو كانَو بـ الفِعل أمواتاً قبلَ الأن، أليسَ في هذا تناقُضاً، ألسنا مِن ندعي محبتَهُم رَحِمَهُم الله، إذاً لِـ ماذا هذا الشعورُ القاسي الأن وفي هذهِ الساعة، فقط تتذَكرُ كُلَ شيءٍ معهُ فقط، وتتذَكرُ كُلَ من أذاهُم وآلَمَهُم، وتتمنى بأن تنشقَ الأرضَ وتبلَعَهُم إلى سابعِ أرض، وعِندما تُدرِك بأنَ هذا لن يَحدُث تواسي نفسكَ وتَقول بأنهُم لايستَحِقونَ البُكاء لـ أجلِهم.
أعلمُ بأنَ كلامي قد يوصَفُ بالسخيفِ والبالي، ولَكُم الحقُ في ذلِك، سامِحوني ولكِن دعوني أستخرِجُ قليلاً مِما أختزِنُهُ في نفسي، كم مرةً رفعنا أصواتنا على أحِبتنا المُتوفين، وكم مرةً راودنا شعورٌ بأنَهُم هُم فقط لاغيرَهُم من يَقِفونَ في طريقِ سعادتِنا، ولأننا كُنا أطفالً مجانين فلا يُمكِنُنا أن نَشعُر بـ ذلِكَ الحُب العظيم الذي يُكِنونَهُ لنا إلا في أخرِ اللحظات، عِندما نشعُرُ فقط بأنَ مَن كُنا نكرَهُهُ سَيرحل للأبد، ولن تبقىَ لنا أيةُ فُرصةِ لـ البوحِ بـ مشاعِرِنا تِجاهه، مشاعِر الحُب والشوق، مشاعِر الحنان الذي سَنفقِدُه، أحاسيسٌ تُخالِجُنا وكلامٌ نُريدُ أن نُلقيهَ عليه، والكثير مِنَ الأمور التي نُريدُ أن نفعلها معه حتى تبقى بيننا كـ ذِكرى.
ولكِن، للأسف، لانتذَكرُ هذهِ الأشياء حتى نفقِدَ أهمَ عُنصُرٍ فيها، حتى نفقِدَ أباً عزيزاً أو أُماً حنونة أو جدةً غالية، لايُمكِنُنا أن نتذكر بأنهُم كانو يَطلُبونَ إلينا كوباً مِن الماء إلا بعد أن نُشاهِدَ مكان جلوسِهم خاوياً والكأسُ بِـ قُربهِ خاويا، ولا يُمكِنُنا أن نفهَمَ لِماذا أرادو أن نبتعِد عن فُلانٍ وَفُلان إلا بعد أن نبقى لِـ وحدنا وبِلا أي سَند، ولايُمكِنُ أن نَشعُرَ بأهميةٍ الدواء الذي كانو يطلبونهُ إلا بعد أن نحتاجَ إلى الذهاب إلى نفس الطبيب الذي عالَجَهُم، ولا يُمكِنُ الشعورُ بِما كانو يَشعُرونَ بهِ عِندما يَروننا سُعداء وَنُحَقِقَ النجاح إلا عِندما نفرحُ لـ وحدِنا.
مالغريبُ في الأمر، ولِماذا أفتعِلُ هذهِ الضجة الغيرُ مُبررة، إنهُ مُجردُ جسدٍ قد رحل وقد أهلنا عليهِ التُراب، أليسَ كذلِك؟، أبداً إنهُ شيءٌ أسمى مِن هذا إنَهُ رُعبُ الفراغ، الفراغُ الذي خلفتهُ جدتي وأحِبتَكُم، الفراغ الموجدود عِندَ سريرِها وكُرسيِها، الفراغ الذي يملئُ صدى الغُرفةِ التي كانت لاتبرَحُ غيرُها، الفراغ الذي سَيُلازِمُني عِندما أدخُل وأخرُج مِن بيتِ جدتي دون أن أكونَ مُحملاً بـ سلامٍ إلى أبي وأُمي وجدتي لـ أُمي وأُختي وإخوتي، هذا هوَ الأمرُ المُخيف والمُرعِب، هذا هوَ من نخافهُ أحِبائي، إننا نخافُ الفراغ…
*لا أحتاجُ إلى شُكرِكُم في التعليقات أحتاجُ إلى أحاسيسِكُم فيها.
مشكورين على التواصل...
مع تحياتي وأشواقي...